الجمعة، 27 أغسطس 2010

تعال اخبرك ماذا تقول لمن جرحك ...

انـك نسيتهـم .. وأدر لهـم ظهـر قلبـك ....
وأمـض ِفـي الطـريق المعاكـس لهـم فربما كان هناك.. فـي الجهة الأخرى.. أناس يستحقونك أكثـر منهـم ...
قل لهـم .. إن الأيـام لا تتكـرر.. وإن المـراحـل لا تعـاد .. وإنـك ذات يـوم .. خلفتهـم تمـامـاً كمـا خلفــوك فــي الـوراء وإن العـمـر لا يعـود إلــى الــوراء أبــداً...
قل لهم .. إنك لفظت آخر أحلامك بهـم.. حين لفظت قلوبهـم.. وإنك بكيت خلفهـم كثيـراً حتـى إقتنعـت بمـوتهـم وإنـك لا تملـك قـدرة إعادتهم إلـى الحياة فــي قلبــك مــرة أخــرى بعــد أن إختــاروا الـمــوت فيــك ..
قل لهـم .. إن رحـيلهــم جعلـك تعـيـد إكتشاف نفسـك.. وإكتشـاف الأشيـاء حولـك وإنـك إكتشفــت أنهـم ليـسـوا آخـر المشـوار.. ولا آخـر الإحساس.. ولا آخـر الأحـلام.. وأن هنـاك أشيـاء أخــرى جـمـيلـة.. ومـثيـرة.. ورائعــة تـستـحــق عـشــق الـحـيــاة وإسـتـمــراريـتــهــا ...
قل لهـم.. إنـك أعـدت طـلاء نفـسـك بعـدهـم.. وأزلـت آثـار بصمـاتـهـم مـن جـدران أعماقـك.. وأقتلعـت كـل خناجـرهم من ظهرك وأعدت ولادتك مـن جديـد وحرصت على تنقية المساحات الملوثة منهـم بك ، وإن مساحتك النقيـة مـــا عـــادت تـتـســع لـهـــم .
قل لهـم .. إنك أغلقت كـل محطات الإنتظار خلفهـم.. فلـم تعـد ترتـدي رداء الشـوق وتقـف فـوق محطـات عودتهـم.. تترقـب القـادميـن.. وتدقـق في وجـوه المسافريـن.. وتبحث في الزحام عـن ظلالهـم وعطـرهـم وأثـرهـم عـل صـدفــة جـمـيـلــة تـأتــي بـهــم إلـيــك ..
قل لهم .. ان صـلاحيتهـم إنتهت.. وأن النبض في قلبك ليس بنبضهم.. وأن المكان فـي ذاكرتك ليس بمكانهم.. ولم يتبق لهم بك سوى الأمـس.. بكل ألم وأســى وذكـــرى الأمـــس ...
قل لهـم .. إنـك نزفتهـم في لحظـات ألمـك كدمـك.. وإنـك أجهضتهـم فـي لحظـات غيابهـم كجنيـن ميـت بداخلـك.. وإنـك أطلقـت سراحهـم منـك كـالطيـور وأغلقـت الأبـواب دونـهـم وعـاهـدت نفسـك ألا تفـتـح أبـوابـك إلا لأولئـك الــذيــن يسـتـحـقـــون .
قل لهـم.. إن لكـل إحسـاس زماناً.. ولكل حلم زماناً.. ولكـل حكايـة زمانـاً.. ولكـل حزن زماناً.. ولكل فـرح زمانـاً.. ولكل بشـر زمانـاً.. ولكـل فرسـان زمانـاً وإن زمنهـم إنتهـى بــك منـذ زمــن .
قل لهم..
لا تقل لهم شيئا..
إستقبلهم بصمت فالصمت أحيـاناً قـدرة فائقـة علـى التعبيـر عمـا تعجـز الحـروف والكلمـات عـن تـوضيحــه ..

الاثنين، 16 أغسطس 2010

وكان الأخضر ياأمي ...

وكان الأخضر يا أمي ...
لون الدعاء ولون البركة , ولون تلك الكلمات التي كنتِ تقولينها لي دوماً (يا سعود ربي يجعل طريقك اخضر) وكنت ابتسم لبراءة الدعوة وبساطتها , حتى كان الأخضر يا أمي , لا حتى جاء الأخضر يا أمي منتقلاً من سجادة الصلاة التي كنتِ تضعين عليها جبينك الذي اشتاق , إلى هذا البراح الذي أعيش فيه , ويلفني كل صباح بدرجات الأخضر وإغراءات زهوه وحريته , إلى هذه السجادة الخضراء التي لها أن تكون كجبين لا يبارح الأرض ولا يتوقف عن الدعاء....
كنت وقتها في طريقي المعتاد إلى العمل , توقفت فجأة وأنا بين المارة وابتسمت , عندما وجدت الأخضر يعانق الأخضر , كان الشجر يا أمي يتباهى باللون , يتباهي بالورق الذي يحرضه الهواء على الابتسام , حقيقة ضحكت ودمعت عيني ووقفت كثيراً أتذكر ابتهالك , وأتذكر تاريخ الأخضر في تاريخك , وتاريخ الياسمين (وفخاريات) الجوري التي لها بعض نبض قلبك....
تعرفين يا أمي..
أفكر أحياناً أن كل أنثى لها تاريخ مع الأخضر , هي أنثى من صبر وحكمة , أنثى لها جذور ضاربة في الأرض... ان فتحت كفيها للسماء نبتت دعوة واستجابة.. إذن : كثير من دعاء يا أمي أن يصل الأخضر إلى قلبي , أن تنبت فيه زهور القناديل ودوار الشمس , أن يخترقه نهر من اليقين , وان يمتد فيه جسر من الإيمان إلى الطمأنينة , وان يغفو كل ليلة على نوايا الكرامة والضمير....
بعدما انتهى تاريخ الكتابة لك , قررت جدياً أن لا اكتب عنك , أن أضع للأبجدية التي تخصك فصل نهاية , وأتوقف عن خلق مناجاة هي أشبه بالهلوسة لا اكثر, لكن الأخضر اليوم فتح شهيتي للكتابة , وربي فتح شهيتي للكتابة , (للحكي) عن الأخضر للبياض , وللمساحات الفارغة كـ ليال اجترار؛ ما دونته الذاكرة عن روح الذكريات.
أعدك: لن أدمع.
أعدك: لن أخذ نفساً عميقاً بين جملة وأخرى.
أعدك: لن يأخذني (السرحان) إلى نقاط نهايات القصص... لكنه الأخضر ودون دراية مني ,. نشر بساط ربيعه في الذاكرة , حتى قادني إلى وجهك الذي أحببت , وجهك الذي ما ان أخذه الموت حتى صارت أبجديتي (تحوقل) على مجدها , كأنما وجهك كان سند للحرف وحماية , كأنما كان محبرتي , كأنما كان (فانوساً) سحرياً ألمسه بأصابعي العشر فيهبها مارد المعنى....
حضور وهجك هذا الصباح جعلني على علم كيف أن الغياب يباس , والموت يباس , وان الوحدة ليست إلا مجاملة على عجل , أو نفور على مهل...
هل وعدتك: ألا أدمع؟
هل وعدتك: أني لن آخذ نفساً عميقاً بين جملة وأخرى؟
هل وعدتك: أن لن يأخذني (السرحان) إلى نقاط نهايات القصص؟
سامح الله الأخضر..!!
لكني: أشتاق..
ورب السماء..
ورب الأرض..
ورب الأخضر..
ورب الشجر والظلال..
ورب الأغصان التي تنتهي بالثمر..
ورب العصافير التي تنقر العنب..
ورب هذا الصوت الذي تتركه الريح على وجه الأوراق..
يا أيها الأخضر.. كفى..!!
شوق أخضر إلى نور وجهها:
لم تكن الرياض مغطاة بالأخضر..
بهذا التنوع من الزهور والأنهار التي تشق قلب الملل.. لكنها كانت بساط ممتد لتلك الأيام التي زرعنا فيها ما حصدناه حباً واقتراب...
كانت روحك خضراء.. يمتد إليها ومنها ألف غصن رطب , وعدد لانهائي من الأوراق المبتلة, كنتِ كالعصافير توقظين الصباح , وتسدلين ستار الليل على مساحات من هدوء.
الأخضر هنا.. جدد (حس) غيابكِ , جعلني أفتح أبواب الذاكرة الصوتية , لأسترجع نبرة أسمي في صوتك , وقائمة النصائح التي تهذبين من خلالها سيرة النسيان عندي.
الآن أنا هنا.. وأنت هناك.. والرياض بعيدة عن سعينا.. نستحضرها إلى الذاكرة كي نصنع حوارا طويلا جدا عن أيام مضت.. فنجعلها خضراء مورقة باردة.. نلبسها النهر كقلادة على صدرها , ونزين جبينها بالزهور...
يفتقدك قلبي.. وأحن إليك كحمائم الدار.. قولي لي إننا ذات عودة سنتحدث طويلاً عن الأخضر..
إننا سنقول كلاماً كثيراً وببطء شديد عن الغربة والحنين..
وسنضحك.. كثيرا سنضحك... حتى نعمر الذاكرة بالصوت والنبرة من جديد.

الخميس، 12 أغسطس 2010

في بعض الغياب لذة !!

ألا يا كيف ضحكتك تملأني سرور!..
وتزين الدنيا في ناظري..
وتجعلني أستشعر سعادة لا يعبر عنها الكلام!
خليط من النشوة والفرحة له وقع وليس له تعريف!!
ألا يا كيف تنثرين إطلالتك من حولي أسرار الحياة الحلوة فآخذ من كل ما هو جميل نتفا .. نتفا وبعضا .. بعضا .. حتى أتورد بألوان الطيف!..
وأسمو بأنواع الارتقاء!
وأطفو على الأحزان كلها وكأنها صارت ذرات وأنا بحجم الكون!
كمن يقتسم نصيبه من مجموعة حلوى كان يسمع بحلاوتها ثم وجدها بين يديه!
ألا يا كيف تملكين أن تجدديني وتسعديني وتبهريني وتغيريني وتجعليني طوع الفرح .. وأنا ذلك العصي حتى على المطارق الحديدية!!
من يصدق أن في بعض الغياب لذة!!
هناك أشخاص بيننا نراهم كل يوم نجلس معهم كل يوم.. نسمعهم كل يوم .. لكن لا تأثير لهم علينا أبعد من تأثير البسمة على وجه طفل!
سرعان ما تتوهج وسرعان ما تنطفئ!!
وآخرون هم في حياتنا مثل كوكب دري، نسمع عنه ولا نراه..
ونعرف تأثيره ولانلمسه،
يشغلنا في بعده ولا يقربنا ولا نقترب منه!
ومع ذلك هؤلاء الكواكب ...
البعيدون لهم هيمنة تغير فينا كل ما هو صعب أن يتغير!
وتحرك فينا كل ما هو قبلهم لا يتحرك!
وتجعلنا نحب أن نكون على الأرض....
كما يريدون لنا أن نكون طواعية نمشي على كيفهم وعلى أمرهم
وكأننا في حالة تنويم مغناطيسي...
لا يتجه المغناطيس فينا إلا ناحيتهم ولا ينجذب إلا إليهم!!
في بعض الغياب لذة!
غير لذة الشوق والحنين والاحتياج..
لذة أقوى من الحضور يكفيك من غائبك العزيز
أنه موجود دائما هنا انتبه حيث جوفك!
إني أشير إلى داخلك!
تعيش وهو فيك ومعك ..
إن ضحكت وإن بكيت ..
وإن تعبت .. وإن نمت أو صحوت ..
طيفه أمامك لا يفارقك ..
والأهم عندما تهم أن ترتكب أمرا ..
تستفتي قلبك فإن وجدته لا يرضيه لا تفعله!!
هؤلاء الغائبون الأعزاء هم «حراس» حياتنا ..
لأن غيابهم لم يجعلنا نمارس التمرد أو العصيان عليهم
لم يعلمنا الرحيل عنهم!
لم يجعلنا نتحرر من أسرهم ..
حتى المتعة لا تشتهى ولا نشتهيها
إذا كانت ضد رغبتهم!
فإذا عافت النفس المتع التي لا ترضيهم
هل تصبر على العذابات إلا لكي ترضيهم!!
في بعض الغياب لذة!
لأنك مأسور لما تحسه ولا تراه والإحساس أقوى من الصورة!
بالإحساس نتعامل مع الوجود ومع الآخرين ...
ومع المقربين والأبعدين وحتى مع أنفسنا!
وهؤلاء الذين نحسهم ولا نراهم أمسكوا بزمامنا على البعد
وشاءوا أم أبوا هم الذين يقودون تحركاتنا ولو من بعيد!
لا تخف من الحاضرين بل خف من الغائبين ...
الذين لهم عندك حظوة وسطوة وقوة نفوذ...
فالحاضر أمام عينيك تستطيع صده ..
أما الغائب وقد تغلغل فيك تخاف أنت صده!!
مرات كثيرة تقبض على نفسك قبل أن يجرفها الحنين!
وتمنع نفسك قبل أن يلتهمها الإغراء!
وعندما تفعل ذلك تتعب لكنك لا تخسر وهذا الأهم ...
وهؤلاء الغائبون الذين هم حراس حياتنا أقدر الناس..
على معاونتنا ومساعدتنا على البقاء واقفين ..
لا نقدم التنازلات باسم الظروف حكمت أو الضغوط أجبرت!
إننا نعبد الله عز وجل ولا نراه والعبادة حرز مكين ضد السقوط ..
وقوة إمداد تمدك بالصمود واليقين بالنصر ولو بعد حين ..
فليس دائما ما نراه هو الأقوى .. لأن السر ليس في المسافة..
القرب والبعد إنما السر في الحب واليقين لذلك نعبد الله وكأننا نراه....
ولذلك المسافة بينك وبين الآخر لا تهم ..
لأن شيئا واحدا فقط يقهر المسافة ...
يقهر المسافات بكل أنواعها ..


الحب..!